Clicky

سبحان خالق نفسي

This section was labeled under, or is related to al-Mutanabbi and Modus Vivendi

قال أبو الطيب:

سُبحان خالق نفسي كيف لذتها
فيما النفوسُ تراه غاية الألمِ

قال الواحدي: يقول: سبحان من جعل نفسي صبورةً، متجلدةً أمام شدائد الدهر، تجد لذّتها فيما تتألم منه سائر النفوس، وتسكن إلى ما يكرهه غيرها. كتب المتنبي هذه الأبيات قبيل وفاته، وأحسب أنه في تلك الفترة كان يغوص في تأملات عميقة حول مسار حياته. يقول في البيت الذي يليه:

أتى الزمان بنوه في شبيبته
فسرّهم وأتيناه على الهرمِ

إن بلوى المتنبي في حياته أمر لا يدركه كثيرون، ولعل من وعى مسيرته، وتلمس آماله ومطامحه، وأحسّ بغربته بين قومه، فقط من يدرك مداها. وهو القائل:

أَذاقَني زَمَني بَلوى شَرِقتُ بِها
لَو ذاقَها لَبَكى ما عاشَ وَاِنتَحَبا

ولعل هذا البيت من أعمق ما قاله في رثاء نفسه، وكأنّي به يقف على أطلال تاريخه وهو ينشده، مستعيدًا مشاهد الاضطرار إلى مدح من يمقتهم، وفقدان زوجته وجدته، وحرمانه من طفولة سليمة، وخيانة الملوك والعبيد له على السواء، ومحاولات اغتياله، لكن أشدّ ما أنهكه: بعد مقدرته عن إدراك غايته. ومن المصادفة الطريفة أنه قال:

لَحا اللَهُ ذي الدُنيا مُناخاً لِراكِبٍ
فَكُلُّ بَعيدِ الهَمِّ فيها مُعَذَّبُ

قبل أن يبدأ مدح كافورٍٍ ببيت واحد. وفي ذلك البيت يقول ضمنيًا أنه مُجبر على ذلك المديح. نعود إلى البيت الأول؛ ففيه يتعجب المتنبي من غربته عن أبناء عصره – وقد هجاهم في البيت الذي يسبقه – إذ يجد في الألم والعذاب، اللذين يواجههما في سبيل غايته، لذّةً أسمى وأرفع من المتع التي ينعم بها أهل زمانه. وكنت قد كتبتُ فيما مضى: “For those who live loftily and dangerously, who need few comforts, the very things that others dread—solitude, pain, hardship, weirdness—actually become their pleasures.”

وقد حدث أن اشتدت الحمى على المتنبي، فقال:

ذَراني وَالفَلاةُ بِلا دَليلٍ
وَوَجهي وَالهَجيرَ بِلا لِثامِ

فَإِنّي أَستَريحُ بِذي وَهَذا
وَأَتعَبُ بِالإِناخَةِ وَالمُقامِ

أي: أن الراحة عنده ليست في السكون والاستقرار، بل في السعي الدؤوب نحو المجد. وقد قال أبو العباس: وملحمة الإنسان هي ملحمة الانتقال. ولا يكون الانتقال بمجرّد الارتحال؛ وإنّما هو عملية عنيفة. ولا يكون ارتحال بلا سيْف: ذهني أو واقِعي. والسيفُ أبو الارتحال، ولذات السبب، أبو التاريخ.


I seek refuge in God, from Satan the rejected. Generated by: Emacs 30.1 (Org mode 9.7.31). Written by: Salih Muhammed, by the date of: 2025-03-12 Wed 02:30. Last build date: 2025-07-25 Fri 00:13.